فصل: (فَصْلٌ): (تأجير نَاظِرِ الْوَقْفِ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [تأجير نَاظِرِ الْوَقْفِ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ]:

(وَلَوْ أَجَرَ نَاظِرُ الْوَقْفِ) الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ (بِأَنْقَصَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ صَحَّ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (وَضَمِنَ) النَّاظِرُ (نَقْصًا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ) فِي الْعَادَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ، فَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ بِعَقْدِهِ كَالْوَكِيلِ إذَا بَاعَ أَوْ أَجَرَ بِدُونِ ثَمَنٍ أَوْ أَجْرِ الْمِثْلِ. (وَلَا تُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ حَيْثُ صَحَّتْ (لَوْ طُلِبَ) الْوَقْفُ (بِزِيَادَةٍ) عَنْ الْأُجْرَةِ الْأُولَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
قَالَ الْمُنَقَّحُ (وَمَنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى) لِنَفْسِهِ (فِيمَا هُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَهُوَ) أَيْ: الْغِرَاسُ أَوْ الْبِنَاءُ لَهُ، أَيْ: الْغَارِسِ أَوْ الْبَانِي (مُحْتَرَمٌ) لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِحَقٍّ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: (فَلَوْ مَاتَ، وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِغَيْرِهِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَغَرْسٍ وَبِنَاءٍ مُسْتَأْجَرٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ [(وَإِنْ كَانَ) الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي (شَرِيكًا) فِي الْوَقْفِ؛ بِأَنْ كَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَغَرَسَ] فِيهِ أَحَدُهُمْ، أَوْ بَنَى، فَغَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ لَهُ، غَيْرُ مُحْتَرَمٍ فَيُقْلَعُ (أَوْ) كَانَ (لَهُ النَّظَرُ فَقَطْ) دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَغَرَسَ أَوْ بَنَى فِي الْوَقْفِ فَغَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ (غَيْرُ مُحْتَرَمٍ، فَيُقْلَعُ) وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بِغَيْرِ رِضَا أَهْلِ الْوَقْفِ (إنْ أَشْهَدَ، وَيَتَوَجَّهُ) إنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى [مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَوْ نَاظِرُ وَقْفٍ (أَنَّ لَهُ إنْ أَشْهَدَ) أَنَّهُ غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ] لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ لَهُ فَغَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ (لِلْوَقْفِ) تَبَعًا لِلْأَرْضِ. (وَلَوْ غَرَسَهُ) النَّاظِرُ أَوْ بَنَاهُ (لِلْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، فَهُوَ وَقْفٌ، وَيَتَوَجَّهُ فِي غَرْسِ أَجْنَبِيٍّ) وَمِثْلُهُ بِنَاؤُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ النَّاظِرِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَنَّهُ لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ) انْتَهَى.
وَالتَّوْجِيهَانِ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدُ الْوَقْفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ، مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهَا لَهُ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ. وَيَدُ أَهْلِ عَرْصَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَابِتَةٍ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، إلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ (وَيُنْفِقُ) النَّاظِرُ (عَلَى) مَوْقُوفٍ (ذِي رُوحٍ) كَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ (مِمَّا عَيَّنَ وَاقِفٌ) الْإِنْفَاقَ مِنْهُ رُجُوعًا إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ (فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْوَاقِفُ مَحَلًّا لِلنَّفَقَةِ؛ فَنَفَقَتُهُ (مِنْ غَلَّتِهِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ اقْتَضَى تَحْبِيسَ أَصْلِهِ وَتَسْبِيلَ مَنْفَعَتِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ غَلَّةٌ لِضَعْفِهِ وَنَحْوِهِ؛ فَنَفَقَتُهُ (عَلَى مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مُعَيَّنٍ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهِمَا (بِيعَ) الْمَوْقُوفُ (وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ) لَكِنَّ غَيْرَ ذِي رُوحٍ (يَكُونُ وَقْفًا) لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إيجَارُهُ (فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَارُهُ كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ، أُوجِرَ) مُدَّةً (بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ) لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْبَيْعِ بِذَلِكَ (وَنَفَقَةُ مَا) أَيْ: حَيَوَانٍ (عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَفُقَرَاءَ وَمَسْجِدٍ، مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ هُنَا مِنْ الْمَصَالِحِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (بِيعَ) الْمَوْقُوفُ، وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى (كَمَا تَقَدَّمَ) فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَتَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَوْقُوفُ (عَقَارًا) وَاحْتَاجَ لِعِمَارَةٍ (لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ) عَلَى أَحَدٍ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ لَا (بِلَا شَرْطٍ) مِنْ وَاقِفِهِ (كَالطِّلْقِ) ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ: تَجِبُ إبْقَاءً لِلْأَصْلِ لِيَحْصُلَ دَوَامُ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: تَحْتَ عِمَارَةِ الْوَقْفِ بِحَسَبِ الْبُطُونِ (فَإِنْ شَرَطَهَا) أَيْ: الْعِمَارَةَ وَاقِفٌ (عُمِلَ بِهِ) أَيْ: بِالشَّرْطِ عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَ؛ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ الْبَدَاءَةَ بِالْعِمَارَةِ أَوْ تَأْخِيرَهَا، فَيُعْمَلُ بِمَا شَرَطَ، لَكِنْ إنْ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْجِهَةِ عُمِلَ بِهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّعْطِيلِ، فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ؛ قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ، وَقَالَ: اشْتِرَاطُ الصَّرْفِ إلَى الْجِهَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ، وَمَعَ الْإِطْلَاقِ تُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ (وَأَمَّا نَحْوُ مَسْجِدٍ وَمَدَارِسَ) وَزَوَايَا (فَتُقَدَّمُ عِمَارَةٌ عَلَى أَرْبَابِ وَظَائِفَ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ شَرَطَ الْبَدَاءَةَ بِالْعِمَارَةِ أَوْ بِالْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَشْرُطْ شَيْئًا.
قَالَ الْمُنَقِّحُ (مَا لَمْ يُفْضِ) تَقْدِيمُ الْعِمَارَةِ (إلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ (حَسَبَ الْإِمْكَانِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْوَقْفُ أَوْ مَصَالِحُهُ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ إلَى (عِمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ، كَحَائِطِ مَسْجِدٍ) وَمَدْرَسَةٍ (وَسَقْفِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ فَيُعَادُ ذَلِكَ (بِلَا تَزْوِيقٍ) بِنَقْشٍ وَصَبْغٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَمِثْلُهُ التَّجْصِيصُ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْمَسَاجِدِ وَزَخْرَفَتُهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا أُمِرْت بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَأَمَّا إعَادَةُ الْحَائِطِ بِهِ؛ أَيْ: التَّزْوِيقُ (أَوْ) إعَادَةُ (مِئْذَنَةٍ مُرْتَفِعَةٍ) انْهَدَمَتْ كُلُّهَا أَوْ غَالِبُهَا (فَلَا يَجُوزُ) إعَادَتُهَا (مِنْ مَالِ الْوَقْفِ) إذْ الْمَنَارَةُ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ لِلْمَسْجِدِ، وَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا بِالْأَذَانِ عَلَى مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ مِنْ سَطْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى التَّزْوِيقِ أَوْ إعَادَةِ الْمَنَارَةِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَوْ أَنْفَقَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ (بَيْتِ مَالِ) الْمُسْلِمِينَ؛ حَرُمَ عَلَيْهِ (وَيَضْمَنُ) بَدَلَ مَا أَنْفَقَهُ لِلْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ احْتَاجَ خَانٌ) مُسَبَّلٌ أَوْ احْتَاجَتْ (دَارٌ مَوْقُوفَةٌ) وُقِفَتْ (لِسُكْنَى نَحْوِ حَاجٍّ) كَعَابِرِي سَبِيلٍ (وَغُزَاةٍ إلَى مَرَمَّةٍ، أُوجِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ جُزْءٌ (بِقَدْرِ ذَلِكَ) أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَى مَرَمَّتِهِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَجِّرُ مِنْهُ ذَلِكَ جَوَازًا؛ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْوَاقِفِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يُؤَجِّرَ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ لِإِصْلَاحِ الْبَاقِي (إنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ (بَيْتِ الْمَالِ) فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ امْتَنَعَ صِحَّةُ إيجَارِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتَسْجِيلُ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْهُ) كَالْعَادَةِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ عَمَّرَ وَقْفًا بِالْمَعْرُوفِ؛ فَلَهُ أَخْذٌ مِنْ غَلَّتِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا، أَوْ شَرَطَ إمَامًا وَسِتَّةَ قُرَّاءٍ وَقَيِّمًا وَمُؤَذِّنًا، وَعَجَزَ الْوَقْفُ عَنْ تَكْمِيلِ حَقِّ الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَرْضَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ وَالْقَيِّمُ إلَّا بِأَخْذِ جَامَكِيَّةٍ مِثْلِهِمْ؛ صُرِفَ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ جَامَكِيَّةٍ مِثْلُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقُرَّاءِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ انْتَهَى.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ بِتَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ.

.(فَصْلٌ): [فيمَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ]:

(مَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ) ثُمَّ الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ، أَوْ وَقَفَ عَلَى (وَلَدِ غَيْرِهِ) أَوْ عَلَى أَوْلَادِ غَيْرِهِ (ثُمَّ) عَلَى (الْمَسَاكِينِ دَخَلَ مَوْجُودٌ) مِنْ أَوْلَادِهِ (إذَنْ)؛ أَيْ: حَالَ الْوَقْفِ فَقَطْ. نُصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) دُخُولُ مَوْجُودٍ حَالَ الْوَقْفِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْجُودُ (حَمْلًا) وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا قَبْلَهُ، فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، كَمُشْتَرٍ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لِأُنْثَى) مِنْ أَوْلَادِهِ وَخُنْثَى (كَذَكَرٍ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، كَمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُمْ، وَإِطْلَاقُ التَّشْرِيكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ؛ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ. وَكَوَلَدِ الْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ. وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْمَنْفِيُّ بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ كَوَلَدِ زِنًا؛ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ صِيغَةِ الْوَلَدِ أَوْ الْأَوْلَادِ فِي اسْتِقْلَالِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ فِي الْوَقْفِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْوَاقِفِ بِوُجُودِ مَا دُونَ الْجَمْعِ دَلِيلُ إرَادَتِهِ مِنْ الصِّيغَةِ، وَ(لَا) يَدْخُلُ وَلَدٌ (حَادِثٌ) لِلْوَاقِفِ؛ بِأَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ صُدُورِ الْوَقْفِ مِنْهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى. (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛- فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ بَعْدَ وَقْفِهِ؛ اسْتَحَقَّ كَالْمَوْجُودِينَ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَقُلْ) الْوَاقِفُ: وَقَفْت كَذَا عَلَى وَلَدِي (وَمَنْ يُولَدُ لِي) فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ، دَخَلَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَقْفِ، وَمَنْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ، (وَ) دَخَلَ أَيْضًا فِي الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْ وَلَدِ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْلَادِهِ. (وَلَدُ) بَنِيهِ (الْمَوْجُودِينَ تَبَعًا) سَوَاءٌ (وُجِدُوا)- أَيْ: وَلَدُ الْبَنِينَ- (حَالَةَ وَقْفٍ أَوْ لَا كَوَصِيَّتِهِ) لِوَلَدِ فُلَانٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُ الْمَوْجُودُونَ حَالَ الْوَصِيَّةِ، وَأَوْلَادُ بَنِيهِ، وُجِدُوا حَالَ الْوَصِيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، لَا مَنْ وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ. (لَكِنْ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ بَنَاتٍ) فِي الْوَقْفِ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، بَلْ إلَى آبَائِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى وَلَدِهِ، فَمَاتَ الْأَوْلَادُ وَتَرَكُوا النِّسْوَةَ حَوَامِلَ؟ فَقَالَ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ بَنَاتٍ كُنَّ أَوْ بَنِينَ؛ فَالضَّيْعَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ وَإِنْ سَفَلُوا؛ وَلِمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} تَنَاوَلَ وَلَدَ الْبَنِينَ، فَالْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ إذَا خَلَا عَنْ قَرِينَةٍ؛ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُفَسَّرُ بِمَا يُفَسَّرُ بِهِ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} وَ{يَا بَنِي إسْرَائِيلَ}. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» وَقَالُوا: نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بَنُو كِنَانَةَ، وَالْقَبَائِلُ كُلُّهَا تُنْسَبُ إلَى جُدُودِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ- وَهُمْ قَبِيلَةٌ- دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ، فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً؛ وَإِنَّمَا يُسَمَّى وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَدًا مَجَازًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، فَيُقَالُ: مَا هَذَا وَلَدِي، فَأَمَّا وَلَدُ الْبَنَاتِ فَلَا يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} قَالَ الشَّاعِرُ: بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ (وَيَسْتَحِقُّونَهُ)؛ أَيْ: يَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْبَنِينَ الْوَقْفَ (مُرَتَّبًا) بَعْدَ آبَائِهِمْ. (وَإِنْ سَفَلُوا) لَكِنْ يَحْجُبُ أَعْلَاهُمْ أَسْفَلَهُمْ (كَقَوْلِهِ) وَقَفْته عَلَى أَوْلَادِي (بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ أَوْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ أَوْ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، أَوْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، مَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً كَوَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، أَوْ يَأْتِي بِمَا يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ كَعَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ، فَلَا تَرْتِيبَ. وَإِنْ قَالَ وَقَفْت (عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي شَمِلَ) قَوْلُهُ (فَوْقَ ثَلَاثَةِ بُطُونٍ) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الِابْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ [وَلَدِ وَلَدِي] دَخَلَ ثَلَاثَةُ بُطُونٍ، دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
(وَ) إنْ قَالَ: وَقَفْتُ (عَلَى وَلَدِي ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِي ثُمَّ الْفُقَرَاءِ؛ شَمِلَ) قَوْلُهُ الْبَطْنَ الثَّالِثَ (وَ) شَمِلَ (مَنْ بَعْدَهُ) لِتَنَاوُلِ الْوَلَدِ أَوْلَادَ الِابْنِ، (خِلَافًا لِلْمُبْدِعِ) فَإِنَّهُ قَالَ مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي ثُمَّ الْفُقَرَاءِ؛ لَمْ يَشْمَلْ الْبَطْنَ الثَّالِثَ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي الْأَشْهَرِ، كَذَا قَالَ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. وَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُ (عَلَى وَلَدِي لِصُلْبِي) لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ وَلَدٍ (أَوْ) قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى (أَوْلَادِي الَّذِينَ يَلُونِي) اُخْتُصَّ بِهِمْ (وَلَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ وَلَدٍ) مَعَهُمْ، وَإِنْ وَقَفَ (عَلَى عَقِبِهِ أَوْ) وَقَفَ عَلَى (نَسْلِهِ أَوْ) وَقَفَ عَلَى (وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ) وَقَفَ عَلَى (ذُرِّيَّتِهِ؛ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ وَلَدُ بَنَاتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الْوَقْفِ) كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) كَقَوْلِهِ (مَنْ مَاتَ) عَنْ وَلَدٍ (فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ لِوَلَدِ الْأُنْثَى سَهْمٌ وَالذَّكَرِ سَهْمَانِ) أَوْ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانَةَ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. وَأَصْلُ النَّسْلِ مِنْ النُّسَالَةِ هِيَ شَعْرُ الدَّابَّةِ إذَا سَقَطَ عَنْ جَسَدِهَا. وَالذُّرِّيَّةُ مِنْ ذَرَأَ إذَا زَرَعَ.
قَالَ الشَّاعِرُ: شَقَقْتُ الْأَرْضَ ثُمَّ ذَرَأْت فِيهِ أَوْ مِنْ ذَرَّ إذَا طَلَعَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ذَرَّ قَرْنُ الشَّهْرِ. (أَوْ قَالَ: فَإِذَا خَلَتْ الْأَرْضُ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيَّ مِنْ قِبَلِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، أَوْ قَالَ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَوْلَادِي) ثُمَّ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَأَوْلَادِهِمْ (وَالْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَنَاتٌ) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ فَيَدْخُلُونَ بِلَا خِلَافٍ. (أَوْ قَالَ الْهَاشِمِيُّ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ الْهَاشِمِيِّينَ فَتَزَوَّجْنَ) أَيْ: بَنَاتُهُ (بِهَاشِمِيٍّ) دَخَلَ أَوْلَادُهُنَّ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ. وَإِنْ تَزَوَّجْنَ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ؛ لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُهُنَّ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْوَاقِفُ. وَمَنْ وَقَفَ (عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ) أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، أَوْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ. أَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي (فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى) جُمْلَةٍ (مِثْلِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا قَبْلَ انْقِرَاضِ) الْبَطْنِ (الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ فَيُتْبَعُ فِيهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ، كَقَوْلِهِ: (بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوِهِ) كَقَرْنٍ بَعْدَ قَرْنٍ (فَمَتَى بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ الْكُلُّ لَهُ)؛ أَيْ: لِمَنْ وُجِدَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَعْلَى حَيْثُ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ، أَوْ ذَكَرَ مَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (الْمُرَتَّبُ بِثُمَّ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ، لَا) تَرْتِيبِ (الْبُطُونِ) فَعَلَيْهِ (يَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ). (فَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ) فَهُوَ دَلِيلُ تَرْتِيبٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ [لَوْ] اقْتَضَى التَّشْرِيكَ لَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ، وَلَوْ جَعَلْنَا لِوَلَدِ الْوَلَدِ سَهْمًا مِثْلَ سَهْمِ أَبِيهِ، ثُمَّ دَفَعْنَا إلَيْهِ مِثْلَ سَهْمِ أَبِيهِ؛ صَارَ لَهُ سَهْمَانِ، وَلِغَيْرِهِ سَهْمٌ، وَهَذَا يُنَافِي التَّسْوِيَةَ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَفْضِيلِ وَلَدِ الِابْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مُرَادِ الْوَاقِفِ خِلَافُهُ، فَإِذَا ثَبَتَ التَّرْتِيبُ؛ فَإِنَّهُ تَرْتِيبٌ بَيْنَ كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ، فَإِذَا مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ لَهُ وَلَدٌ (اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ نَصِيبَهُ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ إلَيْهِ) سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَاحِدٌ أَوْ لَمْ يَبْقَ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. فَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةً، وَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَنَصِيبُهُ لِأَخَوَيْهِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ كَانَ النِّصْفُ لِوَلَدِهِ، فَإِذَا مَاتَ الثَّانِي عَنْ وَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ فَنَصِيبُهُ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ فَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ؛ انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَيَمُوتُ الثَّانِي عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ الثَّالِثِ، فَإِذَا مَاتَ الْأَخُ الثَّالِثُ عَنْ وَلَدٍ؛ اسْتَحَقَّ الْوَلَدُ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي يَدِ أَبِيهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَصْلِيِّ، وَالثُّلُثِ الْعَائِدِ إلَيْهِ مِنْ أَخِيهِ؛ لِعُمُومِ؛ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَيَعُمُّ (وَكَذَا) إنْ زَادَ الْوَاقِفُ فِي شَرْطِهِ (عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ)؛ أَيْ: قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْوَقْفِ وَلَهُ وَلَدٌ (ثُمَّ مَاتَ الْوَالِدُ) عَنْ أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ، وَعَنْ وَلَدِ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ (فَلَهُ) أَيْ: وَلَدِ الِابْنِ مَعَ أَعْمَامِهِ (مَا لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا) فَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ، فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ وَجُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ؛ صُرِفَ إلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحَقِّينَ بِالسَّوِيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَعُمُّ مَا اسْتَحَقَّهُ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ اسْتَحَقَّهُ أَوَّلًا؛ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِصِدْقِ الْإِضَافَةِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، يَعْنِي لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ عَنْ وَلَدِ [وَلَدٍ] قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَبُوهُ فِي الْوَقْفِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ، أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ؛ فَلِوَلَدِ الْوَلَدِ نَصِيبُ جَدِّهِ [لِأَنَّ أَبَاهُ اسْتَحَقَّهُ أَنْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ] لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الشَّارِطِينَ، وَيَقْصِدُونَهُ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ لَمْ يَرِثْ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ الْجَدِّ، وَلِأَنَّ فِي صُورَةِ الِاجْتِمَاعِ يَنْتَقِلُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ إلَى وَلَدِهِ، لَكِنْ هُنَا [هَلْ] يُعْتَبَرُ مَوْتُ الْوَالِدِ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا اسْتَحَقَّهُ؛ فَمَفْهُومُهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، قَالَ فَعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا أَيْ: الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ إنْ قَالَ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوَهُ؛ فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى أَنَّهُ إنْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَلَهُ وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ وَعَنْ وَلَدٍ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ؛ فَلَهُ مَعَهُمْ مَا لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ:
اعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْوَقْفِ ثَلَاثَةٌ: تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ، وَتَرْتِيبُ أَفْرَادٍ، وَاشْتِرَاكٌ. فَتَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ يَنْفَرِدُ بِالْوَقْفِ كُلِّهِ عَمَّنْ بَعْدَهُ مَا دَامَ مِنْهُ وَاحِدٌ، ثُمَّ إذَا انْقَرَضَ أَهْلُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كُلُّهُمْ؛ انْتَقَلَ إلَى الثَّانِي فَقَطْ، وَمَا دَامَ مِنْ الثَّانِي وَاحِدٌ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْهُ شَيْءٌ لِلثَّالِثِ، وَهَكَذَا. وَتَرْتِيبُ أَفْرَادٍ: عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّخْصِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا يُشَارِكُهُ وَلَدُهُ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ؛ انْتَقَلَ مَا بِيَدِهِ إلَى وَلَدِهِ، فَاسْتِحْقَاقُهُ مَشْرُوطٌ بِمَوْتِ أَبِيهِ. وَالِاشْتِرَاكُ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبُطُونِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ، بَلْ هُمْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَيُشَارِكُ الْوَلَدُ وَالِدَهُ وَكَذَا وَلَدُ الْوَلَدِ. ثُمَّ الصِّفَةُ الْأُولَى تَحْصُلُ بِصِيَغٍ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي أَوْ وَلَدِي، أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، أَوْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، أَوْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، أَوْ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. وَتَحْصُلُ الثَّانِيَةُ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَتَحْصُلُ الثَّالِثَةُ بِالْوَاوِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَ) إنْ أَتَى الْوَاقِفُ (بِالْوَاوِ) بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، كَانَ الْوَاوُ (لِلِاشْتِرَاكِ) لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَيَشْتَرِكُونَ فِيهِ بِلَا تَفْضِيلٍ (فَيَسْتَحِقُّ الْأَوْلَادُ مَعَ آبَائِهِمْ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بِلَا قَرِينَةٍ. وَإِنْ قَالَ الْوَاقِفُ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ (عَلَى أَنْ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ) فَنَصِيبُهُ (لِوَلَدِهِ) (فـَ) هُوَ (تَرْتِيبٌ بَيْنَ كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ) فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ؛ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، فَهَذَا دَالٌّ عَلَى إرَادَةِ تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. وَإِنْ مَاتَ وَلَدٌ فَنَصِيبُهُ لَهُ (وَ) إنْ قَالَ (عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَالْوَقْفُ مُرَتَّبُ) بِثُمَّ أَوْ نَحْوِهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمْ (فَهُوَ) أَيْ: نَصِيبُهُ (لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ) دُونَ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ (مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ) الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ وَدُونَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ فِي الْوَقْفِ؛ عَمَلًا بِسَوَابِقِ الْكَلَامِ، فَلَوْ كَانَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةً، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي عَنْ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ، وَتَرَك أَخَاهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَعَمَّهُ وَأَبْنَاءً لِعَمِّهِ الْحَيِّ؛ كَانَ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ، دُونَ عَمِّهِ الْحَيِّ وَابْنِهِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِيهِ الْأَرْبَعِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ كَانَ نَصِيبُهُ بَيْنَ أَخَوَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ دُونَ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، أَشْبَهَ ابْنَ عَمِّهِمْ.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ السُّبْكِيُّ: إذَا وَقَفَ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، وَشَرَطَ أَنْ مَنْ مَاتَ مِنْ بَنَاتِهِ فَنَصِيبُهَا لِلْبَاقِينَ مِنْ إخْوَتِهَا، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ وَلَهُ وَلَدٌ؛ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى [لَوْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ] عَلَيْهِ وَخَلَفَ وَلَدَيْنِ وَوَلَدَ وَلَدٍ، مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، فَأَخَذَ الْوَلَدَانِ نَصِيبَهُمَا وَهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ، وَأَخَذَ وَلَدُ الْوَلَدِ النَّصِيبَ الَّذِي لَوْ كَانَ وَالِدُهُ حَيًّا لَأَخَذَهُ، ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ، فَهَلْ يَخْتَصُّ أَخُوهَا الْبَاقِي بِنَصِيبِهَا أَوْ يُشَارِكُهُ فِيهِ ابْنُ أَخِيهِ؟ قَالَ: تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَنَظَرْنَا، فَرَجَّحْنَا أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْإِخْوَةِ وَعَلَى الْبَاقِينَ مِنْهُمْ كَالْخَاصِّ، وَقَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْعَامِّ، فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِ؛ فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ عِنْدَنَا تَخْصِيصُ الْأَخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مُحْتَمَلًا وَهُوَ مُشَارَكَةُ ابْنِ الْأَخِ انْتَهَى (وَكَذَا) الْحُكْمُ (إنْ كَانَ) الْوَقْفُ (مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبُطُونِ) وَشَرَطَ إنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَيْسَ لِلْأَعْلَى مَعَ أَهْلِ دَرَجَةِ الْمَيِّتِ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانُوا مُشَارِكِينَ لَهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ قَوْلِ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ دَلِيلًا عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ، بَلْ كَانَ مُرَتَّبًا تَرْتِيبَ جُمْلَةٍ عَلَى مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي أَوْ أَوْلَادِي أَوْ زَادَ: ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، أَوْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ عَلَى التَّشْرِيكِ أَوْ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَالْوَاوِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ: مَنْ جَاءَتْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ غَيْرُ مُخْرِجٍ لَهُ إلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ، بَلْ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَكَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ؛ فَالظَّاهِرُ [أَنَّ] نَصِيبَهُ يَكُونُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَخُصَّهُمْ بِنَصِيبِهِ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ لِهَذَا الشَّرْطِ.
فَائِدَةٌ:
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ شَيْئًا يُفِيدُ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ) أَيْ: دَرَجَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ (أَحَدٌ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ (فَكَمَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ الشَّرْطُ) [لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيهِ (فَيَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ (فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِرَاكِ)] لِأَنَّ التَّشْرِيكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَتَخْصِيصُ بَعْضِ الْبُطُونِ يُفْضِي إلَى عَدَمِهَا (وَيَخْتَصُّ) الْبَطْنُ (الْأَعْلَى بِهِ) أَيْ: بِنَصِيبِ الْمُتَوَفَّى الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ (فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ مُرَتَّبٌ، فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ؛ فَكَذَلِكَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ اخْتَصَّ بِهِ الْأَعْلَى؛ كَمَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ الشَّرْطُ، وَحَيْثُ كَانَ نَصِيبُ مَيِّتٍ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ (فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إخْوَتُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوُهُمْ) كَبَنِي بَنِي عَمِّ أَبِي أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْقُرْبِ إلَى الْجَدِّ الَّذِي يَجْمَعُهُمْ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَكَذَا إنَاثُهُمْ حَيْثُ لَا مُخَصِّصٌ لِلذُّكُورِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْوَاقِفُ (يُقَدَّمُ) مِنْهُمْ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْمُتَوَفَّى وَنَحْوُهُ) كَأَنْ يَقُولُ: يُقَدَّمُ وَلَدُ الظَّهْرِ، أَوْ يُقَدَّمُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ (فَيَخْتَصُّ) نَصِيبُ الْمَيِّتِ (بِالْأَقْرَبِ) فَلَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ؛ فَمُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ يُقَدَّمُ الشَّقِيقُ فِيمَا إذَا قَالَ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَبِالْأُخُوَّةِ إذَا قَالَ لِإِخْوَتِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (وَلَيْسَ مِنْ الدَّرَجَةِ مَنْ هُوَ أَعْلَى) مِنْ الْمَيِّتِ كَعَمِّهِ (أَوْ أَنْزَلُ) مِنْهُ كَابْنِ أَخِيهِ (وَالْحَادِثُ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْآيِلِ نَصِيبُهُ إلَيْهِمْ كَالْمَوْجُودِينَ حِينَهُ)؛ أَيْ: الْمَوْتِ؛ لِوُجُودِ الْوَصْفِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ (وَعَلَى هَذَا) الْقَوْلِ؛ أَيْ: مُشَارَكَةُ الْحَادِثِ لِلْمَوْجُودِينَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَفْتَى بِهِ الشَّارِحُ (لَوْ حَدَثَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْ الْمَوْجُودِينَ) وَشَرْطُ الْوَاقِفِ فِي (الْوَقْفِ مُرَتَّبٌ) بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى. كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَمَنْ يُولَدُ لَهُ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا؛ وَمَاتَ أَوْلَادُهُ وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ (أَخَذَهُ) أَيْ: أَخَذَ الْوَلَدُ الْحَادِثُ مَا آلَ إلَى النَّازِلِينَ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (مِنْهُمْ)؛ أَيْ: مِنْ أَوْلَادِ إخْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْهُمْ دَرَجَةً؛ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَرْجِعُ) الْحَادِثُ عَلَى أَوْلَادِ إخْوَتِهِ بِمَا قَبَضُوهُ فِيمَا (مَضَى) مِنْ الزَّمَانِ (مِنْ غَلَّتِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْمَقْبُوضَ (إنَّمَا اُسْتُحِقَّ) أَيْ: اسْتَحَقَّهُ قَابِضُهُ وَمَالِكُهُ (بِوَضْعِ) يَدِهِ عَلَيْهِ وَتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ فِي مُدَّةٍ كَانَ يَسْتَحِقُّهَا فِيهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) مَنْ قَالَ: وَقَفْت (عَلَى وَلَدِي) بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ (فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِي وَ) كَانَ (لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ كَانَ) الْوَقْفُ (عَلَى) الْوَلَدَيْنِ (الْمُسَمَّيَيْنِ وَ) عَلَى (أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ الثَّالِثِ) الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ وَلَدِي (دُونَهُ)؛ أَيْ: الثَّالِثِ جَعْلًا لِتَسْمِيَتِهَا بَدَلًا لِلْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ، فَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا}. وَلِأَنَّ خُلُوَّهُ عَنْ الْعَطْفِ دَلِيلُ إرَادَةِ التَّفْسِيرِ وَالتَّبْيِينِ، بِخِلَافِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ؛ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَعْنَى التَّأْكِيدِ، فَوَجَبَ حَمْلُ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّبْيِينِ. (وَيَتَّجِهُ) دُخُولُهُ (إنْ كَانَ وَلَدُ الثَّالِثِ مَوْجُودًا عِنْدَ) إنْشَاءِ (وَقْفٍ) لِدُخُولِهِ حِينَئِذٍ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الِاثْنَيْنِ- وَإِنْ كَانُوا مَعْدُومِينَ- تَبَعًا، وَالثَّالِثُ لَيْسَ مُسْتَحِقًّا؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَوْلَادُهُ الْمَعْدُومُونَ وَقْتَ إنْشَاءِ الْوَقْفِ، وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ. وَإِنْ قَالَ: وَقَفْت (عَلَى زَيْدٍ وَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ كَانَ) الْوَقْفُ (بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ). (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَوْلَادِهِ، يَشْمَلُ أَوْلَادَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ (وَإِنْ نَزَلُوا) لِدَلَالَةِ قَوْلِ الْوَاقِفِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَوَقُّفِ اسْتِحْقَاقِ الْمَسَاكِينِ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ فَائِدَةٌ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْمَسَاكِينِ) وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ أَوْ أَوْلَادِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ وَنَحْوُهُ، إلَّا بِصَرِيحٍ؛ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ لِوَلَدِ الْإِنَاثِ سَهْمًا، وَلِوَلَدِ الذُّكُورِ سَهْمَيْنِ وَنَحْوِهِ، أَوْ بِقَرِينَةٍ كَقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ فَيَدْخُلُونَ بِلَا خِلَافٍ.
(وَ) إنْ قَالَ: وَقَفْت (عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ، ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ- الْعَقِبُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِهَا: الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ- ثُمَّ الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَتَرَكَ وَلَدًا، وَإِنْ سَفَلَ؛ فَنَصِيبُهُ لَهُ) هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْوَاقِفِ (فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَتَرَكَ بِنْتًا، ثُمَّ مَاتَتْ) الْبِنْتُ (عَنْ وَلَدٍ؛ فَلَهُ مَا اسْتَحَقَّتْهُ أُمُّهُ قَبْلَ مَوْتِهَا). قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الِاسْتِحْقَاقُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهُ هُنَا؛ لِقَوْلِ الْوَاقِفِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا عَادَ إلَى الْكُلِّ، فَاعْتِبَارُ الذُّكُورِ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لَا غَيْرُ. وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: أَوْلَادُهَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُعْطِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَّا الْأَوْلَادَ وَأَوْلَادَ الْأَوْلَادِ، ثُمَّ خَصَّ أَوْلَادَ الظَّهْرِ بَعْدَهُمَا بِالْوَقْفِ. قَالَ: وَأَوْلَادُ هَذِهِ الْبِنْتِ لَيْسُوا مِنْ أَوْلَادِ الظَّهْرِ، وَهِيَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَك وَلَدًا وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لَهُ. يَعْنِي إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَأَوْلَادُهَا لَيْسُوا مِنْهُمْ انْتَهَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ الْبِنْتِ مِنْ أَوْلَادِ الظَّهْرِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِابْنِ عَمِّهَا، فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ؛ فَذَلِكَ الْوَلَدُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ أُمِّهِ؛ إذْ هُوَ ابْنُ ابْنِ ابْنٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ ابْنُ بِنْتِ ابْنٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُ مَا فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ. (وَلَوْ قَالَ) وَاقِفٌ (وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ؛ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ عَمَّ وَلَوْ مَنْ لَمْ يُعْقِبْ) مِنْ إخْوَتِهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ. (وَمَنْ أَعْقَبَ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ) أَيْ: ذُرِّيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ؛ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَطْعًا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

.(فَرْعٌ): [تَرْتِيبُ الْوَاقِفِ بَعْضَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ]:

(لَوْ رَتَّبَ) الْوَاقِفُ (أَوَّلًا) بَعْضَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي (ثُمَّ شَرَّكَ) بِأَنْ قَالَ: بَعْدَ أَوْلَادِ أَوْلَادِي: وَأَوْلَادِهِمْ (أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ؛ فَهُوَ (عَلَى مَا شَرَطَ) فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَخْتَصُّ الْأَوْلَادُ؛ لِاقْتِضَاءِ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ؛ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ- وَإِنْ نَزَلُوا- لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهِمْ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَتَّبَ أَوَّلًا. فَهَلَّا؟ حُمِلَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ؛ فَالْجَوَابُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُ الْوَاقِفِ تَخْصِيصَ أَوْلَادِهِ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ؛ يَشْتَرِكُ الْبَطْنَانِ الْأَوَّلَانِ لِلْعَطْفِ بِالْوَاوِ، دُونَ غَيْرِهِمْ، فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْفِ لِعَطْفِهِ بِثُمَّ، فَإِذَا انْقَرَضُوا اشْتَرَكَ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ قَالَ بَعْدَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ) بِقَوْلِهِ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ (ثُمَّ عَلَى أَنْسَالِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ؛ اسْتَحَقَّهُ أَهْلُ الْعَقِبِ مُرَتَّبًا) لِقَرِينَةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَهُ مُشْتَرَكًا مَعَ الْأَنْسَالِ؛ نَظَرًا إلَى عَطْفِهِمْ بِالْوَاوِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَرِينَةِ السِّيَاقِ (وَصَوَّبَهُ) أَيْ: اسْتِحْقَاقَ أَهْلِ الْعَقِبِ مُرَتَّبًا فِي الْإِنْصَافِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْوَاوُ كَمَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَا تَنْفِيهِ، لَكِنْ هِيَ سَاكِتَةٌ عَنْهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَى التَّشْرِيكِ، وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْفِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مِثْلَ إنْ رَتَّبَ أَوَّلًا؛ عُمِلَ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْوَاوِ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ:
لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ مَنْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْوَقْفِ عَنْ وَلَدٍ- وَإِنْ سَفَلَ- وَآلَ الْحَالُ فِي الْوَقْفِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى مَوْجُودًا لَدَخَلَ؛ قَامَ وَلَدُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ، وَاسْتَحَقَّ مَا كَانَ أَصْلُهُ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، فَانْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي رَجُلٍ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ، وَرُزِقَ خَمْسَةَ أَوْلَادٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَتَرَكَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَبَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَاحِدٌ مَعَ وَلَدِ أَخِيهِ؛ اسْتَحَقَّ الْوَلَدُ الْبَاقِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ رِيعِ الْوَقْفِ، وَوَلَدُ أَخِيهِ الْخُمْسَ الْبَاقِي. أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الشَّهَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَتَابَعَهُ النَّاصِرُ الطَّبَلَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَالشِّهَابِيُّ أَحْمَدُ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ: عَلَى أَنَّ مِنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَى آخِرِهِ، مَقْصُورٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ وَالِدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مَنْ مَاتَ مِنْ إخْوَةِ وَالِدِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، بَلْ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ الْأَحْيَاءِ؛ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ: عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْوَلَدِ مَقَامَ أَبِيهِ فِي صَفِّ الَّذِي هُوَ الْإِخْوَةُ، حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا، وَالْأَصْلُ حِفْظُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ، وَعَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَحَلِّهِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا.